'التطورات الحالية لا يمكن فصلها عن المسارات التاريخية المتراكمة'

أكدت رئيسة اللجنة الدبلوماسية في جمعية المرأة الحرة في شرق كردستان "KJAR" روزرين كمانجار، أن الحرب بين إيران والقوات الإسرائيلية ليست سوى جزء من معركة أكبر تخوضها إيران منذ سنوات ضد شعبها وخاصة النساء.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ خلال الأسبوع الماضي، شنّت القوات الإسرائيلية سلسلة من الهجمات العسكرية ضد إيران، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم الجمعة 20 حزيران/يونيو، وبدأت هذه الحرب باستهداف قيادات في الحرس الثوري الإيراني وعدد من العلماء في مجال الطاقة النووية، لتتوسع لاحقاً وتشمل حقول نفط ومعسكرات عسكرية.

أدت المواجهات بين القوات الاسرائيلية وإيران على مدى الأيام الماضية إلى تفاقم الوضع الأمني والمعيشي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، حيث يعاني المواطنون من تبعات تلك الحرب بشكل متزايدة، ومع استمرارها يواجه السجناء السياسيين خطراً متصاعداً يتمثل في إمكانية تنفيذ أحكام إعدام فورية من قبل السلطات الإيرانية، ومن جهة أخرى أقدمت إيران قبل يومين على قطع خدمة الإنترنت بشكل كامل، مما زاد من عزلة الشعب الإيراني عن العالم الخارجي وحدّ من قدرته على إيصال صوته إلى المجتمع الدولي.

ولذلك وعن الأبعاد الاجتماعية والسياسية للحرب بين القوات الإسرائيلية وإيران، وتداعياته المحتملة على الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط، وعلى شرق كردستان، كان لوكالتنا الحوار التالي مع رئيسة اللجنة الدبلوماسية في منظومة المرأة الحرة في شرق كردستان "KJAR" روزرين كمانجار.

 

في البداية، ما هو تقييمكم العام للحرب بين القوات الإسرائيلية وإيران، وما هي التحولات الجارية حالياً، وكيف ستؤثر على منطقة الشرق الأوسط وعلى إيران وشرق كردستان؟

إن التطورات الحالية لا يمكن فصلها عن المسارات التاريخية المتراكمة التي شهدتها المنطقة، خاصةً منذ ما وصفته ببداية الحرب العالمية الثالثة، أن ما يحدث اليوم يُعدّ استكمالاً لعملية إعادة "تصميم جديد للشرق الأوسط"، وهي عملية تجري على مراحل متتالية، وتظهر الآن بشكل جديد، يعكس توتراً متصاعداً وتغيّرات جذرية في الخريطة السياسية والأمنية للمنطقة.

دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التصعيد بعد الحرب في غزة، حيث تحوّل المشهد من حروب إلى مواجهة مباشرة بين قوتين إقليميتين، أن ما يميّز الوضع الراهن هو أن العمليات لم تعد محصورة في المسارح والحروب التقليدية أو عبر حلفاء محليين، بل باتت تقودها الأطراف الرئيسة بشكل مباشر، مما يرفع من وتيرة المخاطر والتعقيدات في المنطقة بأسره، كما أن هذه التطورات تنبئ بتحوّل استراتيجي في طبيعة الصراع، وقد تُحدث تغييرات كبرى في توازنات القوى الإقليمية، لا سيما في إيران وشرق كردستان، ويترك تداعيات عميقة على البنية الاجتماعية والاقتصادية لسكان تلك المناطق.

وفي التحليلات الأخيرة، أُعيد طرح مسألة الإمبراطوريتين التاريخيتين، العثمانية والصفوية، هاتان الإمبراطوريتان يبدو الآن وكأنهما أُعيد تعريفهما بالصيغة التركية والإيرانية بوظائف وروايات جديدة، تُصوَّر إيران لا سيما في ظل دورها المحوري في المحور الشيعي، كقوة فاعلة تقف في وجه النظام العالمي القائم بنظام لا يزال يعتمد نموذج الدولة القومية لإدارة المنطقة والسيطرة عليها.

 

هل يسعى النظام العالمي الحالي إلى استقرار الدول القومية في المنطقة، أم أنه يسعى إلى تشكيل هوية لهذه الدول تتوافق مع بنيته ومصالحه؟

تمثل إيران، خصوصاً من خلال موقعها المحوري في "محور المقاومة" أو "المحور الشيعي" تحدياً للنظام العالمي القائم، الذي لا يزال يحكمه منطق الدولة القومية كصيغة لإدارة الشرق الأوسط ،أما تركيا فغالباً ما تُقرأ تحركاتها الإقليمية ضمن استعادة رمزية للهيمنة العثمانية، لا سيّما في مناطق النفوذ التاريخي مثل سوريا، العراق، أو القوقاز، وبذلك لا يُنظر إلى الصراع في المنطقة على أنه خلافات آنية، بل كجزء من توازنات ممتدة تعيد ترتيب المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

فكلاً من إيران وتركيا دخلتا الآن في قلب مرحلة إعادة تصميم خرائط النفوذ بالمنطقة، حيث لم تعد الاشتباكات تقتصر على اليمن أو لبنان أو غزّة، بل وصل الدور إلى قوى إقليمية رئيسية تُعاد صياغة أدوارها ومكانتها بفعل الضغوط الدولية والتحولات العسكرية والسياسية، كما أن الجولة الأخيرة من التصعيد العسكري سبقتها محاولات لإطلاق حوار بين إيران والولايات المتحدة، تمثلت في جولات تفاوض غير رسمية وُصفت بـ "الناعمة" إلا أن هذه المفاوضات افتقرت إلى التكافؤ، حيث لم تُعطِ لإيران المساحة لطرح شروطها ومصالحها، بل مثّلت عملياً منصة لفرض الإملاءات الأمريكية، مما حوّل ما بدا "طاولة مفاوضات" إلى أداة لتأطير السياسات الأمريكية وفرضها من جانب واحد.

أن امتناع إيران عن الانصياع الكامل لتلك الضغوط، كانت أحد العوامل التي مهدت الطريق لانطلاق الجولة الجديدة من الحرب هذه المرة بشكل مباشر ومكثّف، أن غارات القوات الإسرائيلية على إيران رغم ما قوبلت به من ردود فعل محدودة، لم تُحدث حتى الآن تغييرات ميدانية تُعتبر مكلِفة لإسرائيل، ما يُشير إلى اختلال ميزان القوة على الأرض حتى اللحظة.

 

شهدنا في السنوات الأخيرة انتفاضة Jin Jiyan Azadî وكانت النساء في طليعة هذا الحراك، مثل شيرين علم هولي التي أصبحت رمزاً للنضال، برأيكم كيف غيّرت هذه الانتفاضة على دور المرأة في المجتمع، خاصة في ظل المرحلة الحالية التي أثّرت على شرائح واسعة منه؟

بعد انطلاق انتفاضة Jin Jiyan Azadî ظهرت بوضوح التصعيدات البنيوية في المجتمع الإيراني، مجتمعٌ طالما تم تجاهل مطالبه المشروعة، هذه الثورة كشفت الاصطدام المباشر بين المجتمع وسلطة اختارت القمع بدلًا من الاستجابة ولكن ما جعل هذه الانتفاضة فريدة هو القيادة النسائية، نساء خرجن إلى الساحات، لم تكتفين بالمشاركة بل تولين زمام القيادة ، وبالرغم من القمع، والسجون، والإعدامات، لم تتراجعن، بل تحدّثن من وعيهن وتجربتهن التاريخية، ونظّمن أنفسهن بشكل مستقل، مؤكدات أن هذا الطريق لا يمثل فقط أفقاً جديدة لحركة النساء، بل يشكل أملاً لتغيير المجتمع بأسره.

والنقطة الثانية هي أن مشاركة المرأة وتنظيمها لهما صوت موحد وقوي، وهو صوت لم يعد من الممكن تجاهله، برأيي، أصبحت المرأة رمزاً للحرية في التطورات الأخيرة، رمزاً للصمود والنضال رغم كل التحديات، وأهم تحدٍّ في هذا المسار هو غياب الحكم الحر والديمقراطي، وهي مشكلة عانت منها منطقتنا لقرون، وإلى أن تُحل، لا يمكن الحديث عن تحقيق ديمقراطية حقيقية.

تشهد إيران في الفترة الأخيرة تصاعداً لافتاً في جرائم ما يُعرف بـ 'القتل على خلفية الشرف'، حيث سُجلت في الشهرين الماضيين أكثر من خمسين حالة قتل لنساء على يد أقربائهن من الذكور، من آباء وإخوة وأزواج. هذه الحوادث المروعة، التي طالت نساءً من مختلف الفئات والأعمار، تعكس بوضوح واقع مجتمع يعيش تحت سلطة أبوية قمعية، تمارس سيطرتها ليس فقط على النساء بل على المجتمع برمّته، ورغم أن هذا العنف الممنهج تظهر النساء في إيران اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى، حيث أنهن تدركن مطالبهن بوضوح، وتناضلن من أجل حياة حرة لا تخصّهن وحدهن، بل تشمل المجتمع بأكمله، وحتى تمتد لتلهم المنطقة ككل، وعلى الرغم من تعمّق الفجوة بين الشعب والسلطة، تبقى إرادة النساء في التغيير حاضرة بقوة، كصوت لا يمكن إسكاتُه".

إن قضية حرية المرأة ليست مسألة فردية أو تخص فئة بعينها، بل هي قضية جماعية ومتعددة القوميات، فالنساء تدركن جيداً ما تردن، لكن تحقيق أهدافهن يتطلب مشاركة مجتمعية شاملة، وتجربة كردستان تمثل نموذجاً حياً للمقاومة والتنظيم، حيث لعبت النساء دوراً قيادياً بفضل تاريخ طويل من النضال، لذا من الضروري حماية هذه المكتسبات وتأسيس منصات حرة تمثل جميع الفئات والأقليات، لتشكيل صوت موحد في مواجهة كل أشكال الاستبداد.

وفي ظل التحديات السياسية والاجتماعية المعقّدة في إيران، يُطرح نموذج اللجان العابرة للقوميات كحلّ عملي لمواجهة الاستبداد فخلال ثورة Jin Jiyan Azadî برزت نماذج التضامن المتبادل بين كردستان ومناطق أخرى كبلوشستان، مما يؤكد أهمية توحيد الجهود وتحديد العدو المشترك بوضوح، وفي سياق موازٍ، يبرز البعد البيئي بوصفه أحد الجوانب المنسية في النضال، إذ تواجه البلاد أزمات بيئية خطيرة نتيجة السياسات الحكومية التي أدت إلى تدمير الموارد الطبيعية، ما يشكل تهديداً مباشراً على صحة المجتمع والبيئة معاً.

في القرن الحالي، أصبحت ثلاث قضايا أساسية حرية المرأة، الديمقراطية، والبيئة محوراً رئيسياً لأي تحول مجتمعي عميق، وتوصّلت شرائح واسعة من المجتمع الإيراني، لا سيما بعد ثورة 'المرأة، الحياة، الحرية'، إلى قناعة بأن أي تغيير فعّال يتطلّب تنظيماً متماسكاً ينبع من الألم المشترك الذي يعيشه الناس، هذا الألم لا يمكن التصدي له عبر رؤى قومية أو جندرية ضيقة، بل من خلال تجاوز المركزية والتحزبات الضيقة، وخلق بنية تنظيمية شاملة وفاعلة، تكون قادرة على دفع عجلة التغيير نحو مستقبل أكثر عدالة وشمولاً.

 

في ضوء التغييرات الثقافية والاجتماعية الجارية، وما تبذلونه من جهود عبر منظومة المرأة الحرة في شرق كردستان، كيف تقيّمون فرص التنظيم المجتمعي حالياً؟ وهل المجتمع الإيراني مهيّأ لتقبّل هذه التحولات، خصوصاً مع التصعيد الأخير الذي استهدف النساء بشكل لافت؟

مهمة الإعلام الحر هي أولاً وقبل كل شيء تحديد ما إذا كان الإعلام في صف المجتمع أم ضده، وهنا يبرز دور وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر، لأنها تُشنّ حرب نفسية هائلة عبر هذه المنصات، وهذه العملية مستمرة في ظلّ الحرب، ولا يمكن تجاهل هذه المسألة بالطبع هذه المسألة ليست جديدة، لكنها تطورت بوتيرة أسرع خلال السنوات الماضية.

وعلى مدى العشرين عاماً الماضية، أثبتت (KJAR) نفسها أنها واصلت نضالاتها بلا انقطاع، وقد لاقت هذه النضالات ترحيباً واسعاً من المجتمع، لا سيما في شرق كردستان وبين مختلف الفئات الاجتماعية، لذلك اكتسبت مصداقية كبيرة من خلال أنشطتها المتنوعة وحضور ممثليها الفاعل إلى جانب الشعب حتى أن وريشه مرادي إحدى عضوات الجمعية تقبع في السجن منذ سنوات، مما يدل على التزامهم الصادق تجاه المجتمع.

عندما يرى المجتمع حقيقة جهود KJAR، يدرك أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وبالطبع لدينا جميعاً انتقادات جادة لأداء KJAR والمؤسسات الأخرى ونسعى جاهدين لطرح هذه الانتقادات بأسلوب بنّاء ونقدي ذاتي، لنجعل النضال واسع النطاق وفعالاً قدر الإمكان، لكن النقطة المهمة هي أن KJAR تؤمن بأنه لتحقيق الحرية، يجب أن تصبح إيران كياناً ديمقراطياً أي دولة عابرة للحدود الوطنية لا تُشكّل الاختلافات فيها عائقاً أمام الوحدة، لذلك تسعى منذ سنوات إلى ضمان ألا تُشكّل الاختلافات الثقافية واللغوية والعرقية عائقاً فحسب، بل تُقبل أيضاً كعنصر أساسي لإثراء المجتمع، وفي الوقت نفسه يتحد الجميع في إطار كيان ديمقراطي عابر للحدود الوطنية.

وعلى مر السنين، تعاونت KJAR باستمرار مع المؤسسات الديمقراطية والبيئية والنسوية في إيران والشرق الأوسط والعالم، ومهدت هذه التفاعلات الطريق لتقدم الأفكار الديمقراطية العابرة للحدود، ولا تزال تُعزز هذه القيم، وفي هذه المرحلة، يُعدّ الدعم والتضامن أمراً بالغ الأهمية، قد تبدو الظروف صعبة والدعم غائباً، لكن يجب أن ندرك أن هذه الخطوات الصغيرة التي تتخذها النساء المنظمات والمتحدات هي أساس التغيير والتقدم، كما يجب أن تعلم النساء أن جهودهن وصمودهن في وجه الصعاب هو القوة الدافعة التي تُحدث التغيير، هدفنا بناء نظام ديمقراطي متعدد القوميات في الشرق الأوسط، لذلك علينا أن نصل إلى نقطة نشعل فيها الأمل من خلال قيادة النساء للحركات في كردستان وسائر أنحاء العالم، قد يستغرق هذا المسار وقتاً ويتطلب الكثير من التدريب والنضال، لكنه سيؤدي حتماً إلى نتائج.